من “هروب بيل” إلى الوداع المحتمل.. حكاية أنشيلوتي مع ريال مدريد
في ليلة من ليالي أبريل 2014، كان ملعب ميستايا في فالنسيا يشهد لحظة لا تُنسى، حين انطلق جاريث بيل كالسهم على الجناح الأيسر، متجاوزًا دفاع برشلونة، ليسجل هدف الفوز لريال مدريد في نهائي كأس ملك إسبانيا. لم يكن كريستيانو رونالدو حاضرًا، لكن كارلو أنشيلوتي كان هناك، هادئًا على الخط، يرسم أولى ملامح المجد في ولايته الأولى مع الملكي.
أسابيع فقط فصلت بين ذلك الهدف و”العاشرة” التاريخية، حين أعاد سيرجيو راموس الحياة لمدريد بهدف قاتل في الدقيقة 93 أمام أتلتيكو مدريد، ليقود الفريق إلى وقت إضافي حسمه بأربعة أهداف مقابل هدف. بذلك، أصبح أنشيلوتي أول من يقود الريال إلى دوري الأبطال بعد غياب دام 12 عامًا.
لكن كما هي طبيعة كرة القدم، المجد لا يدوم طويلًا.
في الموسم التالي، رغم سلسلة انتصارات رائعة، تراجع أداء الفريق تدريجيًا. الإصابات والإرهاق الذهني تسببت في خروجه من نصف نهائي دوري الأبطال على يد يوفنتوس، وخسارة الليجا، ما دفع الإدارة إلى اتخاذ قرار صادم بإقالة أنشيلوتي في صيف 2015، رغم دعم اللاعبين والجماهير له، kooralive.
الرحيل ثم العودة
بعدها، بدأ أنشيلوتي رحلة جديدة خارج مدريد، متنقلًا بين بايرن ميونخ ونابولي ثم إيفرتون. خبرات متعددة، وتجارب مختلفة، لكنها لم تطفئ بريقه.
وفي صيف 2021، عاد الإيطالي إلى البيت الأبيض، خلفًا لزين الدين زيدان، ليجد فريقًا مختلفًا؛ لا راموس، لا رونالدو، لا مارسيلو، بل جيل جديد من المواهب الشابة: فينيسيوس، فالفيردي، كامافينجا، رودريجو، ولاحقًا بيلينجهام.
أنشيلوتي لم يكن مدربًا يبحث عن النجومية، بل صانع مشروع. بهدوء واتزان، أعاد تشكيل الفريق، وحقق الليجا ودوري الأبطال في موسم 2022، بعد سلسلة “ريمونتادات” لا تُصدق أمام باريس سان جيرمان، تشيلسي، ومانشستر سيتي، قبل أن يُسقط ليفربول في النهائي.
أنشيلوتي الجديد.. المرن
في ولايته الثانية، أظهر أنشيلوتي تطورًا لافتًا. لم يعد ذاك المدرب الكلاسيكي، بل أصبح أكثر مرونة وابتكارًا. بعد رحيل بنزيما في صيف 2023، عدّل خطته من 4-3-3 إلى 4-3-1-2، مانحًا بيلينجهام الحرية خلف ثنائي هجومي متحرك.
تغيير عكس قدرته على التكيف، ودمج الأجيال، وصنع فريق متوازن يجمع بين الحماسة الشبابية وحكمة القادة.
وفي عام 2024، أضاف لقبًا جديدًا في دوري الأبطال، ليصبح المدرب الأكثر تتويجًا بالبطولة عبر التاريخ، برصيد 5 ألقاب.
هل تكون النهاية في الكأس؟
الآن، وبعد سنوات من الإنجازات، يجد أنشيلوتي نفسه على مشارف نهاية محتملة لمسيرته مع الريال. الفريق يستعد لمواجهة برشلونة في نهائي كأس ملك إسبانيا 2025، وهي نفس البطولة التي بدأ فيها رحلته المجيدة.
ولكن، على الجانب الآخر من الحلم، تقف مخاوف الواقع. فقد خسر ريال مدريد أمام برشلونة مرتين هذا الموسم، وودّع دوري الأبطال من ربع النهائي على يد آرسنال، بل ذهابًا وإيابًا، في واحدة من أسوأ خيباته الأوروبية.
تذبذب النتائج في الليجا أيضًا أثار تساؤلات كثيرة، وتزايدت الأصوات المطالبة بتغيير فني، خاصة مع اقتراب عقد أنشيلوتي من نهايته واحتمالية انتقاله لقيادة منتخب البرازيل.
ختام فصل.. لا نهاية قصة
من دي ماريا ورونالدو ومودريتش، إلى بيلينجهام وفينيسيوس ومبابي، تغيّرت الأسماء، وتبدّلت الأجيال، لكن كارلو أنشيلوتي ظل كما هو: هادئًا، متزنًا، وبسيطًا في تعامله مع اللعبة.
قد تنتهي رحلته مع ريال مدريد هذا الصيف، ولكن إرثه سيبقى محفورًا في ذاكرة الجماهير، ليس فقط لأنه فاز، بل لأنه أعاد بناء، وتجاوز العثرات، وظل وفيًا لجوهر ريال مدريد.. حتى وإن لم يعجب ذلك كل أنصاره.